مشكلات الجلوكوما..
لص النظر

غالبًا ما يمتلك الأطفال طرائقهم الفريدة في لفظ بعض الكلمات.ارتفاع ضغط العين الداخلي من أهم عوامل الإصابة بالجلوكوما، وتؤدي في مراحل متقدمة من المرض إلى العمى.

د. سامي بن محمد العضيب
استشاري أول جراحات الجلوكوما والماء الأبيض

 

الجلوكوما أو (الماء الأزرق) هي مجموعة من أمراض العيون التي تسبب تلفًا تصاعديًا (متفاقمًا) في العصب البصري الذي يحمل المعلومات البصرية من العين إلى الدماغ. ويعد ارتفاع ضغط العين الداخلي أهم عوامل الخطر للإصابة بالجلوكوما. وتتفاقم الجلوكوما مع مرور الوقت وتسوء الرؤية المحيطية (رؤية الأشياء الجانبية) وربما يؤدي ذلك في المراحل المتقدمة من المرض إلى العمى. وهذا النوع من العمى لا يمكن معه استرجاع النظر المفقود، ويحدث كل ذلك دون سابق إنذار، ودون أعراض واضحة تظهر على المريض.
لذلك اصطلح عالميًا على تسميتها «الأمراض الصامتة المسببة للعمى» أو «لص النظر المتسلل». كما تسمى في منطقتنا «السويرق» أي السارق أو اللص. والجلوكوما هي السبب الثاني الأكثر شيوعًا في العالم للإصابة بالعمى.
تشير التقديرات إلى إصابة أكثر من 60 مليون شخص بالجلوكوما حول العال في عام 2010، وأن هذا العدد سيرتفع إلى 80 مليون مصاب بالمرض، و 11.2 مليون مصاب بالعمى على الصعيد العالمي بحلول 2020.
ونظرًا لكون الجلوكوما مرضًا صامتًا ودون أعراض في معظم الحالات فإن حوالى 50% من الأشخاص المصابين بالجلوكوما في الدول المتقدمة لا يعلمون بإصابتهم به. أما في بقية دول العالم فإن هذه النسبة قد تصل إلى 90% من المرضى!
من هنا تأتي أهمية الكشف الدوري على صحة العين لاكتشاف هذا المرض في مراحله المبكرة لتتم السيطرة عليه، ومنع تدهور النظر بإذن الله.
تصنف الجلوكوما حسب العمر أو السبب أو النوع. وفيما يلي تصنيف مبسط:

الجلوكوما الولادية | وهي عيب خِلْقِي في قنوات تصريف السائل المائي داخل العين ويصاب به الأطفال والمواليد.

الجلوكوما ذات الزاوية المفتوحة | ويحدث فيها انسداد لقنوات تصريف السائل المائي داخل العين بشكل بطيء. ويتسبب هذا الانسداد في زيادة تدريجية في الضغط الداخلي للعين. ويمكن لهذا النوع أن يسرق النظر بصمت حيث لا يتنبه المريض لهذا الخطر إلا في مراحل متأخرة، أو بالمصادفة عند فحص العين.

الجلوكوما ذات الزاوية المغلقة | وقد يكون هذا النوع مزمنًا يحدث بالتدريج، أو حادًا يحدث بشكل مفاجئ، ويصاحبه ارتفاع حاد وسريع في ضغط العين فيؤدي إلى غشاوة في الرؤية، وألم حاد، ورؤية هالات قوس قزح حول الضوء، وغثيان وقيء. ولذا يجب إحالة المريض إلى طبيب العيون مباشرة.

الجلوكوما الثانوية | وقد تحدث بسبب النزيف الداخلي في العين، أو الأورام أو التهابات العين، أو إصابات العين بعد إجراء عمليات العيون، أو بسبب استخدام بعض الأدوية المحتوية على مركبات الستيرويدات القشرية (أو ما اصطلح الناس على تسميته «الكورتيزون»).
معظم حالات الجلوكوما لا تسبب أعراضًا واضحة على المرضى، ولكن قد يشكو بعضهم من صداع في مقدمة الرأس، أو ألم في مقلة العين، أو عدم وضوح في الرؤية.
في بعض أنواع الجلوكوما، وبخاصة الجلوكوما الحادة ذات الزاوية الضيقة، يشكو المرضى من حدوث صداع وألم بالعين شديدين، مع انخفاض كبير في مستوى الرؤية، وشعور بالغثيان. ويحدث ذلك عادة بشكل مفاجئ وسريع، وقد تسبق تلك النوبة الشديدة نوبات أقل حدةً وتستمر لفترات قصيرة وتختفي تلقائيًا.
التشخيص المبكر من أهم وسائل الحفاظ على العصب البصري من أضرار الجلوكوما. ويبدأ التشخيص من عيادة الطبيب المختص، حيث يقوم الطبيب بفحص حدة الإبصار وقياس ضغط العين. وهنا لابد من التشديد على أهمية استخدام الأجهزة الحديثة والدقيقة في القياس. فهناك أجهزة مستخدمة لا تتمتع بالدقة المطلوبة، يتبع ذلك الفحص الدقيق لجميع أجزاء العين بما فيها الجزء الأمامي والتأكد من حالة زاوية العين وسلامة العصب البصري، ومن ثم يحتاج الطبيب إلى إجراء بعض الفحوصات التشخيصية التي تساعده على التشخيص وتصنيف شدة المرض، كما تساعده فيما بعد على مراقبة تطور المرض.
من الفحوصات التشخيصية | اختبار المجال البصري (مجال الرؤية)، والتصوير الطبقي للعصب البصري، وقياس سماكة القرنية، وتصوير العصب البصري.
علاج الجلوكوما لا يهدف إلى تحسين وضع العصب البصري فما يفقد من العصب البصري لا يمكن استرداده، وإنما يهدف في الأساس إلى التحكم في ضغط العين ومن ثم استقرار حالة العصب البصري على الوضع الراهن وعدم تدهوره بشكل أكبر.
ويقسم علاج الجلوكوما إلى أقسام عدة: العلاج الدوائي، والعلاج بالليزر، والعلاج الجراحي.
وعادة ما يبدأ العلاج بوصف نوع أو أكثر من قطرات العين، أو الأقراص المعالجة للجلوكوما. ويكون دورها تخفيض ضغط العين الداخلي إلى مستوى آمن على العصب (ويحدد ذلك المستوى الطبيب المعالج).
وإذا لم يستجب ضغط العين للقطرات فقد يلجأ الطبيب إلى العلاج بالليزر، وقد يساعد الليزر في بعض الحالات على تخفيض الضغط و/ أو تقليل عدد القطرات.
هناك أنواع مختلفة من الليزر تستخدم في علاج الجلوكوما، ولكل منها دواعي استخدام وموانع للاستخدام يحددها الطبيب المختص. كما أن بعض أنواع الجلوكوما ينصح في بداية علاجها باستخدام الليزر مثل الجلوكوما ذات الزاوية الضيقة.
أما إذا لم يؤدِ كل ذلك إلى النتيجة المرجوة فينصح حينها بإجراء التدخل الجراحي.
وهناك العديد من العمليات الجراحية التي تجرى لمرضى الجلوكوما وجميعها يهدف إلى خفض الضغط الداخلي للعين، والاستغناء عن القطرات المستخدمة في العلاج أو تقليل عددها، ولكنها تختلف فيما بينها في الآلية التي من خلالها تخفض ضغط العين. فهناك على سبيل المثال: عمليات تزيد من تدفق السوائل إلى خارج العين كالعمليات التي تعتمد على إحداث شق جراحي في طبقات العين، وعمليات زراعة الأنابيب داخل العين والتي يلجأ إليها عادة في الحالات المتقدمة، بالإضافة إلى عمليات عدة أخرى تجرى في الزاوية الداخلية للعين، وهنالك عمليات تهدف إلى خفض إفراز السوائل داخل العين كعملية (الليزر CPC) والتي تستخدم في حالات ضعف الإبصار الشديد وعملية (المنظار الليزري ECP) وهي من التقنيات الحديثة. وتعتمد هذه التقنية على تسليط أشعة ليزر من نوع خاص على أنسجة العين المسؤولة عن إنتاج السوائل التي تؤدي إلى رفع ضغط العين، وذلك عن طريق منظار مجهري دقيق يمكِّن الجراح من الرؤية المباشرة للأنسجة ومعالجتها بدقة. ويساعد العلاج بهذه الطريقة على التحكم في ضغط العين مع الاستغناء عن جميع قطرات الجلوكوما التي يستخدمها المريض قبل العملية أو بعدها.
ويقرر الاستشاري المختص في جراحة الجلوكوما بناءً على خبرته وعلى ما تقتضيه مصلحة المريض الخيار الأفضل لعلاج كل مريض على حدة.